الاثنين، 8 نوفمبر 2010

من العالم الاخر

على صفحة ورد بيضا جدا تكاد تكون ناصعة البياض فكرت اكتب حاجة وانا بقالى كتير ماكتبتش الغريبة ان مهما كان اللى مكتوب على الصفحة او اللى ناوين نكتبه محزن او كئيب برده بتفضل الصفحة محتفظة ببياضها ومش بتسود بعد كل اللى بيتكتب فيها يمكن الصفحة من جواها بتحزن بس مش بتقدر تبين ده عشان تخلينا نعرف نقراه يمكن نتعظ او نتعلم او نغير نظرتنا للحاجات اللى حوالينا ، والدليل على كده ان اى صفحة وفيات فى الجرايد برده بتبقى بيضا مع انها شايلة خبر موت فلان وفلان اى كان ،

حتى شهادة الوفاه نفسها بتبقى ورقة بيضا مع انها الورقة اللى بتعلن لنا موت الشخص اللى اسمه مكتوب وان دى الورقة الاخيرة اللى هيتكتب فيها اخر خبر متعلق بيه ، انه مات ، خلاص كلمة مافيش حاجة بعدها ، يعنى مش هتيجى ورقة بعدها تقول انه ناوى يقدم على وظيفة ولا ياخد قرض من البنك ولا هيشترى عربية بالتقسيط ، هو مش مضطر يعمل ده كله لأنه خلاص مات والورقة البيضا مابتكدبش ،
كل واحد فينا عارف ومتأكد انه هيموت ، بس امتى الله اعلم ، وياترى الموضوع هيكون سهل وبسيط ولا بعد تعب ولا مرض ولا حادثة ولا ايه بالظبط ، طبعا كلكوا هتقولو ايه الفال المنيل ده ، احنا فعلا بنقول كده وبنفكر للحظة وبننسى الموضوع او بتناساه عشان نعيش بغض النظر عن فكرة الموت اللى هتيجى صحيح بس مش دلوقتى ، كل واحد فينا عنده عشم او امل انها فعلا مش دلوقتى ،

وبجد ياريت مش دلوقتى ، كل واحد شايف انه لسة صغير اوى ولسة بدرى عليه يعنى لسة ماجابش التلاتين ولا الاربعين وان الناس المفروض تبتدى تفكر وتتعظ بقى بعد الخمسين او الستين انما دلوقتى ، لا لسة بدرى ، صحيح طبعا لكل اجل كتاب ، وماحدش عارف هيموت امتى ولا ازاى بس اهو احنا عندنا عشم فى ربنا ، اننا مش هنموت غير بعد لما نعيش ونتمتع ونشتغل ونتجوز ونخلف وننجح ونسافر بلاد ماشوفنهاش ونطلع نحج ، كل ده لسة ماحصلش ، ونفسنا نعمله قبل مانموت ، وبعدين نموت ازاى دلوقتى ، طيب والصلاة اللى مش بنحافظ عليها والكدب اللى بنكدبه والظلم اللى بنظلمه والتناكة اللى بنتنكها على خلق الله والحاجات اللى بنعملها واللى ناوىن نعملها صحيح مش كل الوقت بنكون قاصدين نعملها بس اهى بقى اتعملت وبتتعمل ، 

وكل الناس بتغلط ، بس بتغلط والمفروض تندم وتتوب ، طيب وانا ... انا لسة فى مرحلة الغلط يعنى بندم شوية صغيرين لما اكون فاضى كده ومش بتوب وبرجع اعمل ننفس الحاجات ، على اعتبار انه لسة بدرى ووقت التوبة ماجاش ، اومال يعنى سن الخمسين والستين ده هعمل فى ايه ، مانا اكيد هفضيه للتوبة ، بس الواحد فينا ممكن يزهق اوى لدرجة انه يفتكر الموت هو الخلاص من الدنيا اللى احيان كتير مابتبقاش حلوة ولا تطاق ، بس فى نفس الوقت بنحس ان ايوة هنموت بس نكون شايفين كل حاجة بتحصل فى الدنيا واحنا بقى ايه متمتعين فى الاخرة على اعتبار اننا كنا على الصراط المستقيم وان شاء الله مسوانا الجنة ، 

بجد كتير الواحد بيفكر انه هيموت بس هيحس بكل حاجة واى حاجة من اول ما روحه تذهب الى بارئها ، يعنى شايف كل حاجة وسامع كل حاجة بس مش قادر يتكلم ويتواصل ، من اول احساسه بأخر نفس خارج منه ، لاول حد اكتشف انه مات واول واحد اتصدم وزعل لما عرف ، ولمة الناس وهما زعلانين عليه وهو بيتغسل ومين بيغسله وياترى هما ناس مؤتمنين ولا هيطلعو اسراره بره وهل هيكون لحق يوصى اهله بمين الناس اللى مسموحلهم يغسلوه او يقفو اعلى الغسل ، طيب ياترى حد هيصوت ، ياجماعة انا نسيت اوصيكوا ماحدش يصوت ،

طب ياترى حد فاكر الخمسمية جنيه اللى فى درج المكتب والتمانين جنيه اللى فى المحفظة والمية وخمسين جنيه اللى كنت مسلفهم للواد هانى ، هاتوهم ياجماعة يمكن ينفعوكوا فى الزنقة دى انا كده كده مش هينفعونى دلوقتى ، ياربى هو ماحدش سامعنى ليه اشمعنى انا سامعهم وشايفهم ، ايه ده كل دى ناس زعلانين عليا وبيعيطوا اوى كده ، ايه ده الواد علاء وهيثم وهانى وعبده ومسعد ونادر ومعتز جهم اهو مين قالهم وعرفو ازاى ، اكيد حد عرف منهم وكتب على الفيس بوك فالباقى عرفوا وجهم ،

طيب والباقى ، ايه العيال الاندال دول ، مش لو كان حد فيهم مات مش كان زمانى متأثر بجراحى وجيت جرى عشان الحق معاد الدفنة وكنت صليت عليه ودعيت وروحت لحد المدافن وقريتله قرآن كمان ، مش مشكلة كل واحد له عذر يمكن ماعرفوش او مالحقوش يجوا ، طيب والعيال اللى على الفيس بوك ، ياه دول عاملين قلبان جامد اوى وشكلهم زعلانين ومغيرين صور بروفايلاتهم ومرتشحين بالسواد ، والله العيال دى تمر فيها العشرة ، كام سنة واحنا مع بعض على هوم واحد بيجمعنا كلنا وياما سهرنا فى كل بروفايل شوية وياما احتفلنا بمناسبات ايشى اعياد ملاد وجواز وخطوبة مافيهاش حاجة لما يجتمعوا على موتى ويحزنولهم شوية واهى برده مردودالهم فى الاموات ، ماهو انا مش هموت لوحدى كل واحد له يوم وكله سلف ودين ،

بس الحق يتقال عملو الواجب ، بس ياترى هيبقوا يفتحواعلى البروفايل ويقرولى الفاتحة ولا هيسيبوه ومش هيدخلوه تانى لحد لما العنكبوت يعشش فيه ، طب حتى يدخلو فى المواسم والاعياد ويبقو يبكوا على الاطلال بلاش يبكوا ، يقعدوا عليها بس ، يارتنى كنت اديت الباسورد لأى حد كده من المقربين عشان يبقى يتقمص روحى ويدخل البروفايل ينضفه ويكنسه ويغير الاستيتس بدل حالة الركود اللى هتبقى فيه ، بس لازم يكون امين عشان لو فى حجة فى الانبوكس ولا حاجة كده ولاكده مانتفضحش على مرئى ومسمع ، بس ايه سيضير الشاه اذا اتسلخت بمية سخنة بعد دبحها ماهى خلاص ماتت ، لا بس برده كل حاجة بتموت الا السيرة ، ولازم تبقى حلوة هى دى الفاضلة .... 

ايه دونيا وبقت اخرة دلوقتى ياترى العيال دول بعد شوية هينسونى ولا هيفضلوا يجيبوا فى سيرتى ، على العموم هنشوف ، انا راصد كل تحركاتهم من العالم الاخر ، ايه ده ومن بين كل الناس اللى اعرفهم دول فى البيت والشغل والفيس بوك وفى الشارع وفى المترو ، كلهم ماصدقوا يرمونى كده فى الضلمة ويمشو ، ايه ياجدعان ماحدش هيكلف خاطره ويبات جنبى الليلادى وياخد بحسى ، على الاقل لحد لما اتعود ، ايه الندالة دى ، يارب ده المكان ضلمة جدا ، انا طول عمرى بخاف من الضلمة كمان المدافن بتاعتنا دى طول عمرى بقول انها مخيفة ومش ونس ولا على الطريق ،

كان فيها ايه لو كانت فى البساتين ولا عند السيدة عيشة ، طول النهار الناس هناك رايحين جايين وعايشين فيها كمان ، يعنى مدافن بطعم البيوت وكان الواحد مش هيحس بالفرق ، صحيح الناس مش ليفل يعنى وفى فرق فى الثقافات ، بس هو انا فى ايه ولا فى ايه دلوقتى ، هو انا فاكر نفسى على قهوة البورصة وهتبادل معاهم اطراف الحديث، انا بس كنت هتونس بحسهم بدل الصمت المريب ده ، انت يابنى ، يابابا ، ياماما ، يا خالتى ، يا اى حد هو انتو ليه بجد مش سامعنى

فاصل بقى ...انا شكلى تقمصت جدا ، انزل بقى الى عالم الاحياء تانى ، بس بجد الواحد نفسه يموت وهو لسة مؤثر فى الحياه وحياته لو راحت هتفرق مع بعض الناس ، يعنى تخيلو لو الواحد وصل تمانين ولا تسعين سنة وبقى عندو امراض العالم والعوالم الاخرى التى تم اكتشافها والتى لم يتم اكتشافها بعد ، وولاده كبروا واتجوزوا وشافو حياتهم وسافرو وبعدو ومبقاش حاجة بتربطهم بيا على اعتبار انى انا ابوهم دلوقتى ، الا مكالمات تليفون بعيدة المدى ، بعيدة المسافة والزمن ، وسيرته بالنسبالهم مابتبقاش اكتر من حالة من وجع الضمير المؤقت على اعتبار انهم سايبنى عايش لوحدى و سرعان حلوة سرعان دى ، سرعان مايتلاشى هذا الاحساس بوجع الضمير بفعل المسكنات الحياتية من ظروف واحوال معيشية واكل العيش وعيشة واى حاجة فيها حرف الشين ،

ولا اى ناس كانو يعرفونى اول ما سيرتى تيجى مايفتكروش يقولو اى حاجة غير فلان ، ياه هو لسة عايش ربنا يريحه اصله بقاله كام سنة المرض معذبه ، على اعتبار ان الموت راحة ، ماحدش عارف كل واحد وعمله بقى ، ولا لو عرفوا انى مت ، ايوة انا المذكور اعلاه ، قبل مايقولوا اللى يرحمه يقولوا ، الحمد لله ان ربنا افتكره ، ياجماعة هو ربنا بينسى حد ، عشان يفتكره ولا هو بينسانا واحنا عايشين عشان يفتكرنا بس لما نموت ولحظة صعود الروح ،حاشا لله ، 
بجد شعور وحش اوى لما نبلغ من الكبر عتيا ، وتلاقى كل الناس مش مستنية تسمع عنك اى خبر لأن اخبارك كلها بقت مزعجة ومش مريحة ، الخبر الوحيد اللى هيطمنهم عليك انك تموت ، مع ان انت فى شبابك ممكن تكون كنت بعد ربنا صاحب ايادى ومنن ، ياترى دلوقتى هيردولك جزء من افضالك على هيئة دعاء ولا كل شىء ذهب مع الريح ، فعلا ومش باقى الا وجه الله 
فاصل تانى بقى .... العملية افورت منى على الاخر ووسعت ومش عارف المها ، الفكرة مش هنموت امتى ولا فين ولا ازاى ولا مين هيفتكرك ولا مين مش هيعبرك ، هى الناس فاكرة اللى عايشين لما هتفتكر الميتين ، ولا شايفة اللى فى النور لما هتشوف اللى فى القبور ، 
المهم الواحد يكون راضى بالحاجات اللى ممكن تكون كويسة اللى عملها وخجلان من الحاجات اللى ممكن تكون مش كويسة اللى ياريته ماعملها، ودايما يكون مستعد ...ازاى ؟، اعتقد ان ده اصعب واكتر سؤال محتاج مجهود عشان نجاوبه ونبدأ فى التفيذ




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق